السيد رئيس تحرير صحيفة الرأي المحترم
أطلعت بدهشة وأسف شديد، على بحث بقلم السيد وليد سليمان تحت عنوان :»آل جودة يحتفظون بالمفتاح... وآل نسيبة يفتحون الباب.»
ولست أدري ما هي الرسالة التي يريد الكاتب إرسالها إلى القارئ حول موضوع لا يحتمل التشويه أو التزوير أو الجرأة على التاريخ الممتد عبر 1400 عام.
سجلات التاريخ ومراجعه وكتابه، في الشرق وفي الغرب، مجمعون على حقيقة تاريخية هي أن آل نسيبة الخزرجية، أنصار الرسول وخؤولته في المدينة المنورة، كانوا طلائع الفتح العربي الإسلامي لبيت المقدس في القرن السابع للميلاد، تحت قيادة الخليفة العادل عمر بن الخطاب، وأن الخليفة عمر هو من عهد بأمانة كنيسة القيامة لآل نسيبة الخزرجية، للحفاظ عليها وعلى كينونتها أقدس بقعة مسيحية في العالم، وخشية أن ينتهك أحد من المسلمين حرمتها نتيجة جهل أو جهالة. وقد عين الخليفة عمر الصحابي العالم المجاهد عبادة بن الصامت أول حاكم وقاض مسلم على القدس وفلسطين، وقبره وقبر الصحابي الخزرجي الآخر شداد بن أوس، ما زالا شاهدين في مقبرة باب الرحمة عند سور الحرم القدسي الشريف.
وجه الغرابة والجرأة على التاريخ، تبدوان بوضوح صارخ عندما يحاول الكاتب وليد سليمان تسخير التاريخ والافتراء عليه، ليثبت أن العهدة العمرية أعطيت لآل جودة، مع أن لا علاقة لهم بها على الإطلاق، ولا ذكر لهم بشأنها، وإنما كان أول علاقة لهم بكنيسة القيامة في عام 1611، عندما ذهب شيخ من آل جودة إلى استانبول وأحضر فرماناً بأن يحتفظ بالمفتاح في بيته وأن يوصله إلى آل نسيبة صباح مساء لفتح الكنيسة وإغلاقها كما يتولى آل نسيبة إدارة شؤون الدخول إليها والتحكيم في الخلافات التي تطرأ بين الطوائف المسيحية الكريمة حول حقوق كل منها. وقد كان لآل نسيبة على مدخل القيامة سدة يجلسون عليها، وأربع خزائن فوقها ما زالت في موضعها.
ثم ينتقل الكاتب وليد سليمان إلى زمن صلاح الدين، في محاولة لإيجاد علاقة لآل جودة بذلك العهد. والتاريخ المسجل لدى الأديرة المسيحية الكريمة تؤكد أن السلطان صلاح الدين قد عهد إلى آل نسيبة الخزرجية بمفاتيح كنيسة القيامة، وبمشيخة الحرم القدسي والخانقاه الصلاحية الملاصقة لكنيسة القيامة. وقد كتب مؤرخ القدس المرجع مجير الدين الحنبلي، في الأنس الجليل بتاريخ القدس وخليل ما يلي حرفياً:
«الشيخ القدوة المحقق الملك غانم بن علي بن حسين الأنصار الخزرجي المقدسي. مولده بقرية بورين من عمل نابلس في سنة اثنتين وستين وخمسمائة. ولاه السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب المشيخة بالخانقاه الصلاحية بالقدس الشريف والنظر عليها ورأيت توقيعه بذلك وعليه خط السلطان. لما قرأته الحمدلله على نعمائه، وقد قطع تاريخه لطول الزمن. وهو أول من وليها وسكن القدس وتناسل منه ذرية معروفون مشهورون. الأمير غانم هو من شارك في تجنيد أهل فلسطين لتحرير القدس وسائر فلسطين، وقد أقطعه السلطان صلاح الدين خمسين ألف دونم من أراضي اللبن، في السهل بين القدس ونابلس، وظلَّ آل نسيبة يتقاضون أعشاراً منها في العهد العثماني والإنجليزي والأردني. وتجدر الإشارة هنا إلى أن أحد بوابات الحرم الشريف باب الغوانمة، تحمل اسم آل غانم الخزرج وهم آل نسيبة.
ثم يتكرم كاتب البحث فيشير إلى بعض الفرمانات العثمانية التي تعطي لأعضاء عائلة آل نسيبة حصصهم الشرعية في الكنيسة، متعمداً الإشارة إلى أنها تعود إلى عام 1813؟ أيريد الكاتب بذلك محو ألف عام من التاريخ. ولماذا يقحم آل نسيبة في هذا البحث أصلاً؟ يستطيع تمجيد آل جودة، ما شاء له ذلك، ولا اعتراض لنا على ذلك، ويستطيع أن ينسبهم إلى عترة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإثبات ذلك ليس من شأننا، ونحن نُكنُّ لآل جودة كل مودة وعلاقة تاريخية حميمية، ولكننا نعترض كل الاعتراض على إقحام اسمنا أو تاريخنا بهذا الأسلوب الاستفزازي غير السوي.
لم أكن أود الخوض في هذا الموضوع، وبالأخص أن القدس هي الآن أسيرة الاحتلال. بيد أن السكوت في معرض الحاجة جواب، كما تقول المجلة، ولم أجد بُداً من كتابة هذه الإجابة.
الدكتور حازم نسيبة / عمان 17/12/2014